Saturday, July 14, 2007

كلها سواد الليل ونروح

اسكندرية من سبع سنين

اثناء قرائتي لخبر القبض علي مخيم لطلاب الاخوان بالاسكندرية تذكرت علي الفور لحظات واحداث القبض علي منذ سبع سنوات بمخيم بمدينة الاسكندرية وسادون عن هذه الاحداث في تدوينتين الاولي تستعرض احداث القبض علينا وتحقيقات النيابة ثم مدة الحبس التي بلغت ستة اشهر تقريبا او اقل قليلا وهي تحمل عنوان " كلها سواد الليل " والاخري تستعرض تفاصيل التحقيق الذي تم معي في لاظوغلي بعد خروجي من السجن وهي تحمل عنوان " بيتزا ولا كفتة " والان مع التدوينة الاولي " كلها سواد الليل "

كلها سواد الليل ونروح

كنا تسعة عشر طالب تتراوح اعمارنا بين التاسعة عشر والثالثة والعشرون ومن مختلف كليات الجامعة اظن من اكثر من اربعة عشر كلية وكنا متواجدين بمخيم بمدينة فيصل السكنية بميامي بالاسكندرية وكان المخيم جزء منه ترفيهي حيث الجولات الحرة والانشطة المشتركة وذلك من اجل دعم الاواصر بين طلاب الاخوان بالكليات المختلفة وكان جزء منه تربوي حيث كانت هناك مجموعة من الاوراد الايمانية كالذكر وصلاة القيام والمدارسات التي تتناول اجزاء من سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم واستمر المخيم لمدة ثلاثة ايام متوالية وفي اليوم الاخير مساءا سال البعض عن موعد انتهاء المخيم فعرفنا انه صباح الجمعة الساعة الثامنة صباحا فاقترح البعض ان ننهي المخيم او نسمح للذين يريدون الانصراف ان ينصرفو مساء الخميس وبعد مداولات ومشاورات قال اشرف " يا اخوانا مش كويس ان الناس تسافر باليل وكمان هايخشوا علي اهاليهم الساعة تلاتة ولا اربعة الفجر الافضل ان الكل يبات ونمشي الصبح وبعدين ده كلها سواد الليل "
واعتمدنا ما قاله اشرف ودخل اهل المخيم للنوم وكانت هذه هي اخر لحطات الحرية

الساعة اتنين ونص بالليل

ذهبت للنوم وانا في غاية الارهاق حيث لم اكن نمت خلال اليومين السابقين سوي اربع ساعات فقط وكنا مساء الخميس في جولة حرة استمرت لاربعة ساعات من المشي علي كورنيش اسكندرية وبمجرد وضعي لراسي علي الوسادة لم اشعر باي شئ وكان هذا في تمام الساعة الواحدة صباحا
قووووووووووووم
اصحي يا ابن ............
تسللت تلك الكلمات الي اذني اولا ثم فتحت عيني لاجد رجل يقف فوق السرير الذي انام عليه ويمسك في يده رشاش الي ويضعه في رقبتي واخر يقف بجانب السرير ويمسك سلاح مماثل لزميله وفي اليد الاخري اجنة حديد يضعها في جنبي ويوكزني بها وبمجرد ان فتحت عيناي وجدتهم يجزبون من ملابسي وينزلوني عنوة من علي السرير ويجرون بي احدهم امامي والاخر خلفي الي صالة الشقة التي كنا بها وكنت اظن انني احلم او امر بكابوس مريع ولا استطيع ان استوعب ما يحدث حتي وصلنا للصالة فوجدت زملائي كلهم في وضع اسري الحرب حيث جاثين علي ركبهم ووجههم موجهة للحائط وايديهم مرفوعة ومتشابكة فوق روؤسهم وبجرد ان وصلنا استلمني اخرين وقاما بتفتيشي سريعا ثم امروني ان اجلس نفس الجلسة التي عليها زملائي وفي تلك اللحظات استوعبت اننا قبض علينا وان هؤلاء هم قوات فزع الدولة وان ما ظللت انتظره طوال اربع سنوات بالجامعة حدث اخيرا ولكن في السنة الاخيرة وخارج نطاق الجامعة
في اللحظات التالية وجدنا ما يقرب من عشر ضباط من الرتب العالية يدخلون الي المكان وهم يجرون العديد من الاتصالات التي تحمل كلمات تطمين الي الطرف الاخر بان العملية تمت بنجاح وان الموجودين هم من الطلاب ومن جامعة القاهرة
وبعدها تم تقسيمنا الي مجموعات كل مجموعة حوالي اربع او خمسة افراد وقاموا بتغمية اعيننا وانزالنا الي سيارات الترحيلات التي كانت معهم بالاسفل وتوجهنا الي " الفراعنة " وهو مبني امن الدولة بالاسكندرية

الفراعنة

وصلنا الي هناك وتم انزالنا ومررنا بمراحل مختلفة بدءا من التصوير امامي وجانبي ثم سرد كافة البيانات الخاصة بكل فرد ثم استلام البعض لنا واعادة تغميتنا ليقودونا بعدها الي الدوي الثاني من المبني حيث تم احتجازنا لثاني يوم الظهر اي حوالي 30 ساعة بقينا خلالها معصوبي الاعين وجالسين علي ارضية عارية من الفرش حيث تم احتجازنا في كافيتريا المبني لانهم كانوا لا يريدون من الاختلاط بمن هم في الحجز وايضا لعدم حدوث اي اتصال بيننا وطوال هذه الفترة كنا ممنوعين من الكلام او الحركة ومن يتكلم باي كلمة ينال نصيبه الفوري من الضرب والاهانة ولم يسمحوا لنا بالصلاة واضطررنا ان نصلي باعيننا طوال تلك الفترة وايضا حرمنا من الدخول للحمام سوي مرة واحدة وطلب منا ان ندخل الجمام وبابه مفتوح والا فلا استخدام وتم مصادرة كل ملابسنا او البطاطين التي كانت مع بعض زملائنا حيث اننا كنا في شهر يناير وطوال فترة الاحتجاز كنا نرتدي ملابس النوم التي قبض علينا بها وعندما جاء الليل كان البرد قارس وزجاج الكافتريا مكسور مما زاد من احساسنا بالبرد الشديد واذكر ان من كان بجانبي ولا اعرفه حتي الان لاننا كنا معصوبي الاعين اصيب بحالة من الارتعاش والانتفاض الشديد وكانت اسنانه تصطدم ببعضها البعض ولم نجد سبيل امامنا سوي ان وضعت رجلي عليه وهكذا فعل من كان بجانبه في الناحية الاخري حتي نثبته في مكانه لانه كان انتفاضه اقرب الي المصاب بالصرع وهذا من جراء البرد القارص والخوف الشديد
وهكذا قضينا ليلتنا الاولي والثانية ثم تم ترحيلنا ظهر السبت الي القاهرة وكنا مجموعات وكل مجموع في سيارة ترحيلات ووصلنا القاهرة الساعة الرابعة عصرا

نيابة امن الدولة العليا

في النيابة دخلنا سلسلة من التحقيقات والمواجهات استمرت لفجر الاحد وكنت يحقق معي امام احد رؤساء النيابة ويدعي رافت عباس وكان يحمل من السماجة والتكبر ما يقدر بالاطنان وكانت ردودي كلها تنحصر في محصلش - معرفش وهكذا حتي انتهت التجقيقات ثم صعدنا مرة اخري الي سيارات الترحيلات للذهاب الي السجن لقضاء مدة الحبس الاحتياطي ووصلنا السجن قبل الفجر بلحظات وانهوا اجراءات استلامنا في دقائق ودخلت لاول مرة الي عنبر تلاتة بسجن طرة وكنا كالمسحورين من تسارع الاحداث حولنا وكان يختلط هزلنا بعصبيتنا بحزننا بفرحنا طوال تلك الساعات العصيبة
اثناء دخولنا لعنبر تلاتة نادي علينا صوت الدكتور محمد علي بشر متسائلا عن جامعتنا واحوالنا وصحتنا ومطمنا ايانا بانهم سوف يحملونا في اعينهم وقد كان منهم بالفعل هذا الوعد وكان الدكتور بشر في القضية العسكرية الخاصة بالنقابيين وكانوا يقطنون زنزانة تلاتة بعنبر تلاتة ونزلنا بجوارهم بزنزانة اتنين

سواد ليل السجن

لكم ان تتخيلوا فتيان وشباب اكبرهم يبلغ الثالثة والعشرون يتعرضوا لتلك الاحداث كيف سيكون رد فعلهم اتذكر اننا بمجرد دخولنا الزنزانة صلينا الفجر ثم ارتمينا علي الارض من التعب والارهاق ودخلنا في ثبات عميق لم نستيقظ منه الا علي صوت الشاويشية بالاستيقاظ حتي نتسلم ملابس السجن البيضاء ونسلم ملابسنا الملونة

قضينا الفترة الاولي من الحبس بروح معنوية عالية وكيف لا ونحن نري قيادتنا امثال الدكتور محمد بديع والدكتور مجمد علي بشر والاستاذ مختار نوح والدكتور سعد زغلول عشماوي والمهندس مدحت الحداد والدكتور عبدالله زين العابدين ولكن بعد ما يقرب من اسبوعين جاءت اوامر ظابط امن الدولة المتابع للسجن بعزلنا عن باقي الاخوان لتبدا الفترة العصيبة من الحبس حيث كنا لا يفتح لنا ابواب الزنزانة سوي ساعة فقط يوميا وبشرط ان يقفل علي باقي الزنازين طوال فترة تريضنا وفي بعض الاحيان ظللنا لاكثر من شهر لا يفتح لنا باب الزنزانة الا للخروج للزيارة او الحصول علي الطعام

بعد فترة جاء الينا بعض طلاب الاخوان من جامعة بني سويف ثم جامعة المنوفية ولقبت زنزانتنا بزنزانة الطلبة وبعد شهر ونصف خرج ثلاثة منا ثم بعدها بشهر خرجت مجموعة اخري ثم تجمد الوضع واستمر الباقي حتي اربعة اشهرثم خرج الجميع سوي خمسة افراد وكنت منهم وكانت الامتحانات قد بدات وتم رفض دخول طلاب الكليات العملية لتلك الامتحانات لرفض ادارة السجن ذهابهم الي الاكتحانات العملية وحضور المعامل وتم السماح لطلاب الكليات النظرية باداء الامتحانات بداخل السجن وعليه فقد امتحنت مادتين في سجن الاستقبال

عشماوي

ومحمد عشماوي هذا هو ظابط امن الدولة المكلف بمتابعة سجن طرة وهذا الرجل كان يتمتع بالكثير من نواقص الاخلاق والرجولة وكنا كثيرا ما نشعر انه مصاب بمرض نفسي يدفعه لايذاء الاخرين والتضييق عليهم فكان كلما رغب في ايذاء قيادات الاخوان المحبوسة في قضية النقابيين يقوم بمعاقبة زنزانة الطلبة فيقوم بغلق الزنازين علينا بالاسابيع او حرمانا من دخول الكتب الخاصة بالدراسة وكان ياخذها من المحامين ويحتفظ بها في مكتبه بحجو مراجعتها او تقليص مدة الزيارة حتي تصل الي نصف ساعة فقط او مصادرة ادوات المعيشة الخاصة بنا من زنزانتنا بحجة مخالفتها لقوانين السجون وهكذا امصينا فترة الحبس الاحتياطي

امتحان

قمت باداء امتحانين داخل السجن وهذين الامتحانين وهذا الترم كان غريبا جدا حيث كنت عزمت ان اعتذر عن دخول امتحانات هذا الترم حيث اننا قضينا فترة دراسة الفصل الثاني باكملها بالسجن بالاضافة الي عدم دخول الكتب والمذكرات الا قبل الامتحانات باسبوع فقط الا ان بعض الاخوة الافاضل اقترحوا علي دخول التجربة وقبلت وبالفعل ذاكرت قبل الامتحانات باسبوع المادتين الاوليتين وكنت ببكالوريوس ادارة الاعمال بكلية التجارة ودخلت المادة الاولي وجاوبت فيها بشكل مرضي مما شجعني ان اذاكر وبقوة المادة الثانية وادخلها وايضا جاوبت فيها بشكل مرضي واكملت باقي الامتحانات بالخارج وحصلت علي تقدير جيد في هذا الفصل الدراسي وكان امر مثير للدهشة لي وللمحيطين

الامتحان داخل السجن شئ غريب وغير معتاد حيث تاتي لك الترحيلة صباحا لتاخذك من السجن التي انت مقيم به لتتحرك وتكرر ما فعلته معك مع الاخرين الذين سيمتحنون في باقي السجون ثم نمزل كل مجموع في سجن معين لاداء الامتحانات فكانت كليات تجارة ودار العلوم واداب في سجن الاستقبال وكليات الحقوق والاعلام والاقتصاد في سجن العقرب وخلال تلك التجربة عرفت اشياء وقابلت اناس غريبين جدا

فلقد قابلت في الترحيلة الاولي احد افراد الجماعة الاسلامية وكان مقيم بسجن العقرب وسوف يمتحن مثلي في ادارة الاعمال ولكنه لا يملك اي كتاب او مذكرة وعندما سالته لماذا خرجت للامتحان قال لي ان هذه هي الفرصة الوحيدة حتي يري اهله الذين ينتظرونه امام سجن الاستقبال ليلقوا عليه نظرة من بعيد وذلك لان النظام المصري كا اغلق كل السجون امام الزيارة لمدة تزيد عن ست سنوان متتالية فكان الرجل يطلب الخروج للامتحان فقط للحصول عيل تلك النظرة التي من علي بعد عشرات الامتار

عندما صعدت الي سيارة الترحيلات وجدت مجموعة من افراد الجماعة الاسلامية والجهاد وكلهم شباب في العشرينات يبدوا علي ملامح وجوههم المعاناة ويرتدون ملابس مرقعة وشعورهم مشعثة كانهم جاؤرا من عصور ما قبل التاريخ وفور ما صعدت سالني احدهم بلهفة انت اخوان فجاوبته بنعم فوجدتهم ينهالون علي بالاسئلة عن الاوضاع الداخلية والعالمية وصدمني سؤال احدهم " هو اخبار الجهاد في البوسنة ايه " وكانت حرب البوسنة قد انتهت منذ اربع سنوات ولكن لان الرجل منع عنه الزيارة واي اتصال بالعالم الخارجي فقد توقف الزمن عنده عند عام 1995ودمعت عيناي مما شاهدته في سيارة الترحيلات

عندما دخلت سجن الاستقبال وهو من السجون التي كانت مغلقة وشديدة الحراسة استقبلنا احد الشاويشية وهو يحمل شومة في يده وكانت اول كلمة هي " اخلع هدومك " وهذا هو اول اجراء ياخذونه عند استقبال سجين جديد وحاولت ان اقنعه باني اتيت لاداء امتحان وانني ساذهب الي سجني بطرة مرة اخري الا انه كان مصر علي ان اخلع فطلب مني من كان يرافقني من ادارة سجن طرة بان " اخلع اي حاجة حتي ولو الشراب " فاستسلمت لطلبه وخلعت الشراب واعطيته للشاويش فتركني ادخلي الي لجنة الامتحانات

في لجنة الامتحانات وجدت الاستاذ علي رضا وهذا الرجل من قيادات الجماعة الاسلامية وهو يقضي حكم بالمؤبد منذ عام 1981 حيث انه من المخططين لقتل السادات ومن المنفذين لعملية الاستيلاء علي مديرية امن اسيوط وكان الرجل يؤدي امتحانات كلية دار العلوم وتجاذبنا اطراف الحديث بعد اداءنا للامتحان خاصة بعد معرفته باني من الاخوان واخذ يثني علي الاخوان وكيف ان الاستاذ عمر التلمساني قابلهم وهم طلاب وحذرهم من عواقب العمل المسلح وانه خسارة لكل الاطراف الا انهم اساؤو اليه والي الاخوان وانهم علموا الان بعد التجربة ان الاخوان كانوا علي حق عندما نبذوا العنف واتجهوا للعمل الدعوي المدني

بعد ادائي للامتحان الثاني عرضت علي النيابة التي اعطتنا اخلاء سبيل وعدنا الي السجن نحمل البشري للاخوان وتملائ جنبات انفسنا السعادة ولكن في اليل وعندما وضعنا رؤوسنا علي وسادتنا تسلل الخوف من تحقيقات جهاز الامن الدولة الي قلوبنا وخاصة بعد سماعنا لما حدث للاخرين عند خروجهم ونمنا في انتظار انتهاء سواد الليل الذي بدا قبلها بخمسة اشهر عندما قال اشرف " يا اخوانا ده كلها سواد الليل ونروح "

انتظروا " بيتزا ولا كفتة " ماحدث لي في لاظوغلي قريبا جدا

1 comment:

اسلام ابوغزاله - مدونة ليه بس ؟ said...

هي ديه آخرة إللي بيمشي في الطريق ده

ربنا يجعله في ميزان حسناتك